تربية النشء مهمة جليلة، وعمل فاضل يحتاج جهد ووقت ودأب، ويحتاج كذلك إلى وجود مربين لديهم من الوعي والتبصر القدر الكافي للقيام بهذا الدور لترسيخ المفاهيم الإسلامية الصحيحة في نفوس الصغار.
عن أهمية التربية العقدية والتنشئة على تعظيم جلال الله في نفوس الصغار تحدث فضيلة الشيخ سعد عتيق العتيق، الداعية والخبير التربوي والتوعوي، مؤكدا أن تأسيس وترسيخ العقيدة يمثل المنطلق الأول الذي به نبني قاعدة أخلاقية قوية في المجتمع، لاسيما وأننا في زمن تلاطمت فيه فتن الشهوات والشبهات، زمن ضعفت فيه علاقة بعض النشء بالله، وأصبح بعض الأبناء لربما يصلى بلا وضوء لو خاف من مدرسه أو من أبيه، ولربما خشي أن يقع جواله بين أيدي أبويه أكثر من خوفه أن ربه يراه ويعلم ما تخفي نفسه.
يرى الشيخ العتيق أن منظومة القيم والأخلاق معرضة للانهيار في مجتمعاتنا إذا ضعف تعظيم جلال الله في قلوب الطلاب أو المتربين، وكل ما نراه من نجاح للآباء في تربية أبنائهم هو في المقام الأول نتج عن تربية الأبناء منذ الصغر على تعظيم الله وخشيته، ومن قبل ذلك على حب الله ورجائه، وإلا لو ظللت تكلم ابنك عن الآداب والأخلاق مئة عام وهو لا يوقر الله، فكل ما تعطيه لابنك ماهو إلا جهل لا يضر وعلم لا ينفع.
كيف أربي ابني على تعظيم الله؟
يقول الشيخ سعد أن أعظم نعمة منَ الله بها علينا أنه جل وعلا قد فطر كل مولود على فطرة التوحيد، قال صلى الله عليه وسلم: (مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يمجسانه) رواه مسلم. من هنا يبدأ منهج التربية على تعظيم الله من لحظة الولادة؛ من لحظة يكون فيها أول ما يشق سمع الوليد هو الأذان بنداء "الله أكبر"، ثم المحافظة على دوام الفطرة في سن التمييز بتعويده على الصلاة كما أمر النبي، حرصا على مصلحته لئلا ينشغل قلبه بغير الله إن جاءت فترة بلوغه وهو لم يعتاد أداء الشعائر والعبادات، ولا شك أن ثمة خطئا تربويا جسيما من الأهل حين يتحول ذلك الذي ولد على فطرة التوحيد إلى إنسان يصعب إيقاظه للصلاة مثلا، أو يصعب تعويده على حب الطاعات، من هذا المنطلق فإن تربية النشء تحتاج مرب هو نفسه يعظم جلال الله في قلبه، وهناك قصة في هذا السياق عن أستاذ كان عندما يشرح لطلابه درسا عن اسم من أسماء الله الحسنى كانت عيناه تترقرقان بالدموع من شدة حبه لله، واليوم بعد وفاته - يقول الشيخ سعد - لاتزال مدامعه تجري في قلوب طلابه الذين تربوا على يديه وتعلموا كيف يعظمون جلال الله في قلوبهم.
ويتابع فضيلة الشيخ أن تربية الشاب على اجتناب الحرام ومخافة الله، تحميه من مواطئ الزلل في أي طريق سار، وفي أي بلد خرج، سيعصمه ذاك الرجاء وذاك الحب لله من الوقوع فيما يغضب ربه، مهما كانت المغريات، ومهما اشتدت الفتن، إن هذه الأجهزة الذكية التي بين أيدي أبنائنا وفي جيوبهم، تصبح في حقيقة أمرها أجهزة "غبية" إذا اقتضى أمر استعمالها أن يتلفت الابن حوله ليتفقد أباه وأمه خشية أنه يروا ما يتصفح، وحين يخفي الشاب ملفاته ببصمة خاصة ورقم سري، حين يخجل من أعين الناس ولا يخجل من عين الله،
نحن في حاجة إلى أن نرد أبناءنا إلى من خلقهم ليعبدوه، حتى لا يسلط عليهم الدنيا ليعبدوها، حبيبنا صلوات ربي وسلامه عليه كان يعلم حبر الأمة العقيدة وهو ابن ست سنين (يا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بالله) رواه الترمذي.
ويؤكد الشيخ إن منهج "مَن ربك؟" هو المنهج الذي ينبغي أن يذاكره أولادنا طيلة عمرهم، لأنه أول سؤال في الاختبار الأهم بعد انتهاء الحياة، إن منهج (مَن ربك؟) هو ما يزن إيقاع أخلاق ولدك وتصرفاته وتعاملاته مع الناس طيلة عمره، منهج (مَن ربك؟) هو الذي يمنعه عن ظلم العباد، وظلم نفسه التي بين جنبيه، هو الذي يجعله بدلا من أن يتوارى بذنبه من الناس في الظلمات، يتخفى بدمعه واستغفاره من خشية الله.
إن اعظم بلاء يصيب الأمة هو الجهل بالله، ومن مظاهر هذا البلاء أن نجد أن بعض شباب الجيل الحالي لديه دراية واطلاع، وثقافة واسعة، ويتحدث عدة لغات، لكنه لا يعرف الله حق المعرفة، فتراه يتخبط ما بين أمراض نفسية وميول انتحارية، لأنه فقد اليقين الذي يملأ قلب المؤمن راحة وطمأنينة، ولهذا ظهر لدينا جيل مرتبك، متأرجح، خائف، يقرأ في فاتحة الصلاة {إياك نعبد وإياك نستعين} فإذا خرج إلى الدنيا ما وجد عبادة حقة، ولا استعانة حقة، فإذا به ينهار إذا ما أصابته مصائب الدنيا، يستجدي من الناس عونا ونجدة، ولو أنه استجدى من الخالق لأعانه وزاده عزا وشرفا.
من أجل هذا ينبغي على كل أب أن يجعل تنشئة ابنه الموحد الذي يعرف حق الله هو المشروع الاستثماري الأول في الحياة، فحين يتربى ابنك على معرفة حق ربه، سيعرف بالتالي حقك عليه، وحق أمه، وحق وطنه، وحق أمته.